الشعر الغنائي الأردي من خلال فن الماهيا "دراسة نقدية"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية اللغات والترجمة بنين - جامعة الأزهر

المستخلص

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين؛ خلق الناس من ذکر وأنثى، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا، والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين، وإمام النبيين، ورحمة الله للعالمين؛ سيدنا محمد النبي الأمين، وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.... وبعد:ـ
فإن التقارب والتواصل والتأثير والتأثر والأخذ والعطاء من لوازم المجتمعات والأمم؛ "فيلتقي الشعب بالشعب فيجد کل منهما عند الآخر ذخيرة من الأسماء، منها ما يطلق علي أمور يعرفها الشعبان ويسميانها، ومنها ما يطلق علي أمور يعرفها أحد الشعبين ولا يعرفها الآخر ولا يسمها بطبيعة الحال، ويستعير کل منهما من الآخر، والمتخلف منهما من المتقدم خاصة، قد يستعير الاسم ويطلق علي هذا الأمر الجديد الذي لم يکن يدرکه من قبل، وقد يستعير الإحساس بالجديد ثم يطلق عليه اسما من عنده مغايرا للاسم الذي يطلقه عليه الشعب الأول"([1])، جراء ذلک احتفظت الآداب والفنون العالمية – خاصة الشعبية - بقدر کبير من المشترکات والمتشابهات، ومن ثم کانت السبيل الأقصر للتقريب بين الشعوب، والأداة الأوضح للبحث عن المشترک الثقافي والمعرفي.
وإذا کانت ملامح التأثر والتواصل قد تجلت في مختلف العلوم والفنون العالمية عامة، فإنها تبدو أکثر وضوحا وجلاء في اللغة الأردية وآدابها خاصة؛ حيث تعد هذه اللغة في حد ذاتها ومنذ نشأتها الأولى نموذجا واضحا للتأثر والتواصل؛ فقد نشأت وتطورت نتيجة لتأثير لغات الفاتحين المسلمين في لغات أهل شبه القارة الهندية الأصليين، وکانت في آدابها وفنونها نموذجا فريدا لهذا التأثير والتأثر؛ فاعتمدت في مراحلها الکلاسيکية من حيث قاموسها اللغوي وفنونها الأدبية علي اللغتين العربية والفارسية، کما أنها اتجهت في مراحلها المتأخرة صوب اللغات الغربية وفنونها؛ فنقلت عنها کثيرا من فنون الشعر والنثر، لکنها ومنذ نشأتها الأولى لم تغلق دائرة التواصل هذه علي اللغات العالمية الأجنبية؛ بل استفادت قديما وحديثا من لغات الهند المحلية.
وإذا کانت الأردية قد اتسمت في استفادتها ونقلها عن الفارسية وغيرها من الآداب الشرقية بنقل فنون تتميز في مجملها بالتقيد بقيود الوزن والقافية، واتسمت في نقلها عن الآداب الغربية بالتجرد من هذه القيود؛ فإنها قد تميزت في نقلها عن اللغات المحلية بالصبغة الغنائية؛ أي أن أغلب الفنون الشعرية التي نقلتها عن اللغات المحلية کانت من فنون الشعر الغنائي الشعبي؛ وقد تجلى هذا الأمر قديما في فن الريختة؛ الذي کان يعد الشکل الشعري الأکثر شعبية، وحديثا في استخدام فن من أکثر فنون الشعر المحلي رواجا وازدهارا وقبولا؛ وهو فن الماهيا.
والحقيقة أن الماهيا - کفن شعري- لا تعکس مجرد أصالة اللغة الأردية وقوة تفاعلها مع الأثر الهندي وشعره المحلي فحسب؛ بل تعکس المظهر الأقوى لتواصل أغلب اللغات الهندية وتفاعلها واشتراکها، وتشير إلي مدي تشابه الشعر الغنائي في الآداب العالمية عامة، وآداب الهند المحلية خاصة؛ فتبرز تقارب فنونهم، وتهدى الباحثين عن أوجه التشابه والترابط بين اللغات المتعددة والأمم المتفاوتة في شبه القارة الهندية إلي هذا الفن؛ الذي يعد أحد أصدق وسائل المجتمع للتعبير عن مشاعره وانعکاساته، وأکثر الفنون الشعرية التي تروج في أغلب اللغات المحلية، وأوضح الأدلة علي أن الشعر الأردي لم يغفل بيئته المحلية وهو يحلق في أفاق الشعر العالمي ينشد الجديد ويبتغي التجديد.
کما أن الماهيا رغم أصالتها تعد من فنون الشعر الأکثر حداثة؛ فرغم النماذج القديمة والمتواصلة لها، إلا أنها لم تصل للمرحلة الواضحة من الاهتمام والتدوين إلا في نهايات القرن العشرين، ومن ثم تقل معرفة دراسي الأردية بها، بل ويصعب علي البعض التفريق بينها وبين مثيلاتها من المنظومات ذات الثلاثة أشطار؛ کالثلاثي والمثلث والهايکو وغيرهم، ومن ثم سعيت من خلال هذا البحث - معتمدا علي المنهج الثقافي- إلي التعريف بهذا الفن، وبيان شروطه وضوابطه، وإبراز أوجه الائتلاف والاختلاف بينه وبين نظرائه في اللغات المحلية.
والبحث مقسم إلي ثلاثة مباحث؛ تناولت في الأول – والذي أوردته کمبحث تمهيدي- الشعر الغنائي الأردي؛ فبينت روافده والأسباب التي أدت لرواجه، وأوجزت سماته وخصائصه. ثم تناولت في المبحث الثاني- والذي أوردته بعنوان: "فن الماهيا – نشأته وبنيته-"؛ وتناولت فيه أسماء الماهيا، ورافدها، ثم ضوابطها والفرق بينها وبين نظرائها من المنظومات الموجودة في الأردية أو في غيره من اللغات المحلية، ثم نبذه عن تطور هذا الفن وأبرز رواده في الأردية.
بينما تناولت في المبحث الثالث أهم القضايا والموضوعات التي تناولها هذا الفن، وقد أوردت هذا المبحث بعنوان "الماهيا الأردية - دراسة موضوعية -"، ثم ذيلت البحث بخاتمة أوجزت فيها أبرز ما توصلت إليه، ثم ثبت بأسماء أهم المصادر والمراجع.
والله أسأل التوفيق والسداد في بيان سمات هذا الفن، وإزالة اللبس الکامن بينه وبين أقرانه من فنون الشعر الأردي، وأن أفتح به بابا جديدا أمام الدارسين؛ للوقوف علي أبرز وأحدث فنون الشعر الأردي المعاصر وقضاياه، وأن يکون خطوة لبيان أوجه التشابه والتقارب بين الشعر الغنائي الأردي ونظرائه في العربية وغيرها من الشعر العالمي، کما أسأله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلک والقادر عليه، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.