نحو توجيه إسلامي لعلم الاجتماع النموذج الإرشادي – المنهج العلمي – القوانين والسنن الاجتماعية والتاريخية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الاجتماع - کلية الدراسات الإنسانية بالقاهرة - جامعة الأزهر

المستخلص

يناقش هذا الموضوع مجموعة من القضايا المهمة، وتتمثل في الإجابة عن الأسئلة التالية:
أولاً: على المستوى التاريخي الثابت وثائقيًّا، تعد منظومة العلوم الاجتماعية إفرازًا للعقل المسلم، وقد وُلدت هذه العلوم في رحم المجتمع المسلم تحت توجيهات القرآن  والسنة، فقد أبدع عبد الرحمن بن خلدون في علم العمران البشري، وهو ما نطلق عليه اليوم علم الاجتماع، حيث حدد موضوعه، ومنهجه، وعالج قضاياه، وطرح مجموعة من النظريات المهمة في تفسير مسائل التغير الاجتماعي والتحول التاريخي؛ وتفسير سلوک الناس، وتفسير قيام وسقوط الدول والمجتمعات، وعلاقة الحياة الاجتماعية بالمتغيرات الأيکولوجية... إلخ(1).
وأبدع أبو الحسن الماوردي (364 – 450 ه) في العلوم السياسية(2) من خلال العديد من المؤلفات القيمة(3). وهناک دراسات ابن ماجة، وابن جبير،  والبيروني، وابن بطوطة، وغيرهم التي کانت بمثابة فتوح قيمة في علوم الأثنولوجيا، والأنثروبولوجيا، والأثنوجرافيا. وهناک العديد من علماء المسلمين الأوائل الذين عالجوا قضايا الاقتصاد والسکان، وفسلفة التاريخ(3)، وعلوم البيئة(4)..
ولعل المشکلة أن العديد من هؤلاء المبدعين لم يحمل فکرهم باحثون، ولم يکونوا مدارس علمية مستمرة؛ ولذا نجد أن هذه العلوم بعد ظهور عصر النهضة في أوروبا بعد القرن الثاني عشر الميلادي، وبعد اتصال الغرب بحضارة المسلمين وعلومهم من خلال معابر الأندلس وصقلية والحروب الصليبية، وبعد ترجمة هذه العلوم التي أبدعها العقل المسلم، وفي مقدمتها إبداع المنهج التجريبي، إلى اللغة اللاتينية واللغات الأوروبية المختلفة، سطا العديد من الغربيين على هذه الإبداعات الإسلامية، وادعوا باطلًا أنهم هم أول من اکتشف هذه العلوم والمعارف.. هذه القضايا سوف تکون موضع اهتمامنا في هذا الفصل.
ثانيًا: لکن المشکلة أن العقل الغربي عندما نقل إبداعات المسلمين في مجالات العلوم الاجتماعية، جردوها من جذورها المعرفية الدينية والروحية، ورکزوا على الجوانب المادية، بوصفها الجوانب الوحيدة والتي يمکن من خلالها فهم الإنسان، ووظائفه، وعلاقاته، وفهم المجتمع ونظمه وقوانينه في ثباته وتطوره. هنا تثار تساؤلات حول أهم جوانب النقد لهذا النموذج المادي الوضعي عند معالجة قضايا الإنسان والثقافة والتاريخ والمجتمع؟
ثالثًا: ما هي الاعتبارات المنهجية والمنطلقات العقائدية للنموذج التأصيلي، والتي يختلف فيها اختلافًا نوعيًا عن النماذج الوضعية الغربية؟
رابعًا: هل يمکن اعتبار التوجيه أو التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ثورة علمية بمفهوم "کون" في مواجهة المدارس الوضعية الغربية المتطرفة في معالجة قضايا الإنسان والثقافة والمجتمع والتاريخ؟
قدم "توماس کون"(5) مجموعة من المفاهيم حول النموذج والعلم السوي في حالة الاستقرار العلمي، ومفهوم العلم الثوري. ففي مرحلة من المراحل – في حالة الاستقرار – يعمل العلماء وفق نموذج إرشادي أو فکري، يکون له القدرة على حل المشکلات العلمية التي يقابلونها والتي تواجه أبحاثهم، لکنهم ما يلبثوا أن يواجهوا مشکلات ومعضلات لا يمکن لهم حلها من خلال النموذج الإرشادي القائم.